بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
د : محمد بن سيدي حمزة الراضي كنون الحسني الإدريسي
وبعد: سألني أَخٌ كرِيمٌ مِنْ أهْلِ طريقتِنَا الأحمدية التجانية سؤَالًا مُفَادُهُ: هل يجُوزُ نعْتُ بعْضِ أعلَامِ طريقتِنَا الكبارِ بِاسْمِ المَلَامِتِي، وذلك مخافَةَ نِسْبَتِهِ لطرِيقَةٍ صوفيةٍ أخرى غيْرَ طرِيقَتِهِ التي كان عَلَيْهَا
أُجِيبُ هذا الأخَ الكريمَ: اعلم يا أخي أَنَّهُ لا حرَجَ إطلَاقًا في نسبَةِ أعلَامِ طريقَتِنَا إلى اسْمِ [المَلَامِتِي]
واعلم أيضا أن الملَامَتِيَّةَ وتُسَمَّى أيضًا الملَامِيَّةَ، وهُمْ الطبقَةُ العليا مِنْ أهلِ الله تعالى، ولِأَعْلَامِ التصوُّفِ تعريفاتٌ متفَاوِتَةٌ في حَقِّ هؤلاء الكِرَامِ، تَدُلُّ على سُمُوِّ مرتَبَتِهِمْ وشرَفِهَا العظيم، ولوْلَا مَخَافَة التطْوِيلِ لسُقْنَا في هذا المَحَلِّ نمَاذِجَ من تعرِيفَاتِهِمْ المتعلقَةِ بمرتبَةِ الملامتية
ولا حَرَجَ على أحَدٍ في نِسْبَةِ عَلَمٍ مِنْ أعلَامِ طريقتِنَا التجانية إلى مرتبَةِ المَلَامِتِيَّةِ، فهُوَ شيْءُ طَبِيعِي لا تَشَوُّفَ فِيهِ عَن الحضرَةِ ولا الْتِفَاتَ قطْعًا، ويَكْفِينَا في هذا البَابِ أَنَّ بُخَارِيَ الطريقَةِ العلامةَ القطْبَ سيدي محمد العربي بن السائح رضي الله عنه ذَكَرَ في كتَابِهِ بُغْيَةِ المستفِيدِ، لِشَرْحِ مُنْيَةِ المُرِيدِ [1: 180] فقال:
إِنَّ أَحْوَالَ غَالِبِ أَهْلِ طَرِيقَتِنَا جَارِيَةٌ عَلَى أَحْوَالِ المَلَامِتِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ الحَاتِمِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَوْصَافِ أَهْلِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ الطَّرِيقَةِ وَأَرْكَانِهَا فِي جَوَابٍ لَهُ.
وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي جُمْلَةِ مَا وَصَفَهُمْ بِهِ: وَلَا يَدَّعُونَ دَعْوَى وَلَا مَزِيَّةً وَلَا خُصُوصِيَّةً وَلَا تَمَيُّزاً عَلَى الجِنْسِ، كُلُّ ذِي حِرْفَةٍ فِي حِرْفَتِهِ، وَكُلُّ ذِي شُغْلٍ فِي شُغْلِهِ، مَعَ أَنَّ مِنْهُمُ المُتَصَرِّفِينَ فِي الكَوْنِ بِالأَحْوَالِ لَا بِالخَوَاصِّ وَالإِسْتِعْدَادَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمُ السَّادَاتُ المَلَامِتِيَّةُ الَّذِينَ رَئِيسُهُمْ ذُو الخِلَالِ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ.
قُلْتُ: ولا نَنْسَى في هذا الإِطَارِ أيضًا ما جَاءَ في كتَابِ جوَاهِرِ المعاني، لسيدي الحاج علي حرازم، بتحقيقنا عليه [1: 125] حيْثُ نسَبَ فِيهِ الولِيَّ الصالحَ سيدي أحمَدَ الطواشَ التازي إلى الملامِتِيَّةِ، قائلا: ثُمَّ أَخَذَ عَن الوَلِيِّ الصَّالِحِ المَلَامِتِيِّ أَبِي العَبَّاسِ، سَيِّدِي أَحْمَدَ الطَّوَّاشِ، نَزِيلِ تَازَةَ.إلخ...
ونِسْبَتُهُ للملَامِتِيَّةِ هُنَا نسبَةُ صِفَةٍ، وليسَتْ نسبَةَ طريقَةٍ وسلُوكٍ كما يَفْهَمُهَا البعْضُ،
وعمُومًا فالمُتَتَبِّعُ لترَاجِمِ كتابِ كشْفِ الحجَابِ، عَمَّنْ تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب سيَقِفُ لا محالَةَ على كثيرٍ مِنَ الأعلَامِ الذين وصَفَهُمْ المؤَلِّفُ بهَذَا النَّعْتِ الفخِيمِ، إِذْ لا حَرَجَ فِيهِ، فالمُرَادُ هُنَا مفهُومُ الملَامِتِيَّةِ كمرتَبَةٍ وصِفَةٍ ومنزِلَةٍ ومقَامٍ وحَالٍ، ولَا نسْبَةَ في ذلك إِطْلَاقًا لطريقَةٍ معَيَّنَةٍ أو طائِفَةٍ معلُومَةٍ.
والشيْءُ نفْسُهُ يجِدُهُ القارئ أيضًا في كتابِ رَفْعِ النقاب بأجْزَاءِهِ الأربعَةِ، وفِي إتحَافِ أهْلِ المرَاتِبِ العرفانية، بترَاجِمِ بعْضِ رِجَالِ الطريقة التجانية، للعلامَةِ الحجوجي بأجزَاءِهِ الثمانيةِ وغيرِهِ
وفي الصَّدَدِ نفسِهِ يقول العلامةُ السلطانُ الأسبَقُ المولى عبد الحفيظ العلوي في نظْمِهِ [الجامِعَةِ العرفانية الوَفِيَّةِ، بشروط وفضائل أهل الطريقة التجانية ص 124] في معْرِضِ حدِيثِهِ عن صفَاتِ ونُعُوتِ أصحابِ سيِّدِنَا الشيخ رضي الله تعالى عنه:
وَمِنْهُمُ السَّالِكُ وَالمَلَامِتِي * وَالكُلُّ قَدْ خُصِّصَ بِالكَرَامَةِ
قُلْتُ: وبهذا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّهُ لا مَانِعَ في نعْتِ بعْضِ المسْتَحِقِّينَ مِنَ الأصحَابِ بهذا الوَصْفِ الشريفِ، وهُوَ طبْعًا الوَصْفُ الذي يغْلُبُ على أحْوَالِ مُعْظَمِ أصحابِ سيدِنَا الشيخ أبي العباس التجاني رضي الله عنه، وأَسْتَحْضِرُ هُنَا مَا ذكرَهُ العلامةُ العارفُ سيدي الأحسن بن محمد بن أبي جماعة البعقيلي في كتابه الإراءة [2: 737] قال:
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَصْحَابَ سَيِّدِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ يَخُوضُونَ فِي بِحَارِ الإِحْسَانِ الَّذِي هُوَ بَحْرُ المَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، فَلَا يُعْرَفُ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ عَامَّتِهِمْ فَضْلًا عَنِ المَفْتُوحِ عَلَيْهِ فِيهِمْ، أَمَدَّنَا اللَّهُ بِبِحَارِ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَهُمْ المُحَمَّدِيُّونَ الإِبْرَاهِيمِيُّونَ الأَحْمَدِيُّونَ المَجْذُوبُونَ المَلَامِتِيُّونَ الأُوَيْسِيُّونَ الصِّدِّيقِيُّونَ العُمَرِيُّونَ العَلَوِيُّونَ.
قلْتُ: وللعلامَةِ الحافظ سيدي إدريسَ بْنِ محمد بن العابد العراقي تَقْيِّيدٌ في ترجمَةِ أَحَدِ كبَارِ الأخيَارِ مِنْ مُقَدِّمِيهِ، كتَبَهُ بخَطِّهِ، وسمَّاهُ: ترجمة الشريف الملامتي سيدي بناصر بن أحمد الحسني الأمغاري.
ومما هو جدير بذكره في هذا الموضع أيضا ما ذكره العلامة سيدي أحمد سكيرج في كتابه مفتاح المواهب الزمانية: حيث قال: وَأَمَّا جَوَابُ السُّؤَالِ الخَامِسِ عَنْ مَرْتَبَةِ سَيِّدِي مَحْمُودَ، حفيد سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه فِي الوِلَايَةِ وَعَنْ عُمْرِهِ وَتَارِيخِ وَفَاتِهِ، وَكَذَلِكَ مَرْتَبَةُ مَوْلَانَا البَشِيرِ وَتَارِيخُ وَفَاتِهِ، فَإِنَّ سَيِّدَنَا مَحْمُودَ رَحِمَهُ اللَّهُ ازْدَادَ فِي أَوَاخِرِ القَرْنِ المَاضِي، وَكَانَ مَلَامِتِيًّا فِي الطَّرِيقَةِ، وَأَحْوَالُ المَلَامِتِيَّةِ لَا تُوزَنُ بِمِيزَانٍ، وَلَا يُمْكِنُ الاِطِّلَاعُ عَلَى المَرْتَبَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ فِيهَا المَلَامِتِي إِلَّا بِكَشْفٍ مِنَ البَاحِثِ عَنْهَا، وَلَا يُوجَدُ قُطْبٌ غَيْر سَالِكٍ البَتَّةَ، لِأَنَّ قَدَمَ القُطْبِ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ المَوْرُوثِ، وَهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ غَيْرُ مَلَامِتِيَّةٍ. [انظر مفتاح المواهب الزمانية، في الجواب عن الأسئلة الثمانية، للعلامة سيدي أحمد سكيرج ص 20]
إلى أن قال: وَمَقَامُ سَيِّدِي البَشِيرِ التجاني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالمَرْتَبَةِ المُتَمَكِّنَةِ مِنَ المَلَامِتِيَّةِ، وَهَكَذَا غَالِبُ مَرَاتِبِ أَوْلَادِ سَيِّدِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُمْ فِي مَقَامِ الإِجْتِبَاءِ الخَاصِّ، وَلَا يُسَلِّمُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِلَّا الخَوَاصُّ، فَاللَّهُ يُبْقِي حُرْمَتَهُمْ وَيَنْفَعُنَا بِهِمْ آمِينَ. [انظر مفتاح المواهب الزمانية، في الجواب عن الأسئلة الثمانية، للعلامة سيدي أحمد سكيرج ص 25]
وفي هذا القدر من الجواب كفاية والسلام
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
موضوع سابق
موضوع التالي
0 تعليقات