بحث هذه المدونة الإلكترونية

الوظيفة التجانية الشريفة

  تتكون الوظيفة التجانية الشريفة من 4 أركان: الرُّكْنُ الأَوَّلُ هُوَ: [أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ، ثَلَاثِينَ مَرَّةً] ثُمَّ الرُّكْنُ الثَّانِي هُوَ: [صَلَاةُ الفَاتِحِ لَا غَيْرُهَا خَمْسِينَ] يَعْنِي أَنَّ الرُّكْنَ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الوَظِيفَةِ الشَّرِيفَةِ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ خَمْسِينَ مَرَّةً وَهِيَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، والخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الحَقِّ بِالحَقِّ والهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ، وعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدْرِهِ ومِقْدَارِهِ العَظِيمِ، بِهَذِهِ الصِّيغَةِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. ثُمَّ الرُّكْنُ الثَّالِثُ هُوَ [الهَيْلَلَةُ مِائَةً] بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ. وَلَفْظُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَخْتِمُ المِائَةَ بِـ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ. ثُمَّ الرُّكْنُ الرَّابِعُ هُوَ [جَوْهَرَةُ الكَمَالِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً]

مؤلفات العلامة العارف بالله القاضي سيدي أحمد بن العياشي سكيرج الأنصاري الخزرجي

لائحة المؤلفات المطبوعة متوفرة على موقع متجر الكتب  بسم الله الرحمن الرحيم ترك لنا العلامة الحاج أحمد سكيرج تراثا ثقافيا كبيرا يتجلى في مؤلفاته القيمة التي كرس عمره المبارك جاهدا في صدد تصنيفها وتدريسها لطلاب العلم والمعرفة. وقد رواها عنه تلاميذه، واهتموا بمحتوياتها النفيسة خلفا عن سلف، كما تنافس في اقتناء المطبوع منها كبار الفقهاء والمفكرين شرقا وغربا، فتناولوها بالدرس العميم، والتمحيص السليم، واقتبسوا منها مناهجه السديدة في سائر أصناف المعرفة. ويغلب على مؤلفاته وتقاييده الكثيرة أثر علم التصوف، فضلا على الطابع الأدبي الرفيع الذي كان مرافقا ومصاحبا له في جميع كتاباته المتنوعة. وتوضح لنا مصنفاته الكثيرة مدا تضلعه وتفوقه وريادته في فنون مختلفة، مع خبرته السامية بعلم التراجم، ومعرفته الدقيقة بأصوله وقواعده المتشبعة، ويظهر هذا جليا من خلال الكتب التي ألفها في هذا العلم، حيث عالجها بأسلوب رفيع مركز رزين موضوعي منهجي لا يخلط فيه بين نوع وآخر. وتتنوع هذه المؤلفات إلى حقول شتى، كالأدب والتصوف والفقه والحساب والتراجم والتاريخ والعروض وغير ذلك. وللطريقة الأحمدية التجانية حصة الأسد داخل هذه التصا

ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه

  مَوْلِدُ الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ سَيِّدَنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ بِقَرْيَةِ عَيْنِ مَاضِي. وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي المُنْيَةِ بِقَوْلِهِ : حَصَلَ مَفْخَرُ العُلا حِينَ وُلِدْ * بِعَيْنِ مَاضٍ ذَا بِفَضْلِهَا شُهِدْ وَمِنْ أَلْطَفِ مَا تَضَمَّنَ هَذَا التَّارِيخُ الدَّالُّ عَلَى تَخْصِيصِ سَيِّدِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالخَتْمِيَّةِ وَالكَتْمِيَّةِ مَا تَفَطَّنَ لَهُ أَخُونَا وَشَيْخُنَا العَلَّامَةُ الرَّئِيسُ سَيِّدِي الحَاجُّ عَبْدُ الكَرِيمِ بَنِّيسُ. وَذَلِكَ جُمْلَةُ قَوْلِهِ :{مَوْلِدُ الخَتْمِ } بِحِسَابِ الجُمَّلِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الأَلِفِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي اللَّفْظِ. وَقَدْ أَشَرْتُ لَهُ بِقَوْلِي  مَوْلِدُ الخَتْمِ مُشِيرٌ * لِكَمَالَاتِ التِّجَانِي ضِمْنُهُ مَعْنَى بَلِيغٌ * قَالَهُ أَهْلُ المَعَانِي وَقَدْ أَشَرْتُ لَهُ أَيْضاً عَلَى طَرِيقِ التَّارِيخِ المُتَوَّجِ بِقَوْلِي : م … مَوْلَاي أَنْت المُرْتَجَى لِي فِي الوَرَى * وَسِوَاكَ لَا أَرْجُوهُ طُولَ حَيَاتِ

من نيات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

 


تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم

1- تَخَلُّقاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِقَدْرِ هَذَا النَّبِيِّ العَظِيمِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ تَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ، قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتَشَهِّدٌ وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ).

2- (عَلَى سَيِّدِنَا)، هُوَ مِنْ سَادَ قَوْمَهُ.

- قِيلَ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنِ السَّيِّدُ؟ فَقَالَ: هُوَ الجَوَادُ حِينَ يُسْأَلُ، الحَلِيمُ حِينَ يُسْتَجْهَلُ، الكَرِيمُ المُجَالَسَةِ، الحَسَنُ الخُلُقِ لِمَنْ جَاوَرَهُ.

- يستند المصلي على مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ.

- وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الفَاسِيِّينَ تَجَادَلَ مَعَ بَعْضِ عُلَمَاءِ وَقْتِهِ هَلْ سُلُوكُ طَرِيقِ الإِمْتِثَالِ أَفْضَلُ أَوْ الأَدَبُ أَفْضَلُ؟ فَمَضَى ذَلِكَ البَعْضُ مُعْتَقِداً أَنَّ عَدَمَ السِّيَادَةِ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الفَاسِي أَمَةً وَقَالَ لَهَا ادْخُلِي دَارَهُ وَلَا تَتَأَدَّبِي مَعَهُ، وَقُولِي لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّ سَيِّدِي العَالِمَ فُلَانَ يَدْعُوكَ، فَمَضَتْ، فَجَاءَ ذَلِكَ العَالِمُ مُغْضِباً، وَقَالَ لِلْفَاسِي مَا أَقْبَحَ سُوءَ أَدَبِ أَمَتِكَ، فَقَالَ لَهُ الفَاسِي ذَلِكَ الأَفْضَلُ، فَتَفَطَّنَ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ إِلَى مُوَافَقَتِهِ.

- تنوي بها العبادة. سُئِلَ العَيَّاشِي عَنْ زِيَادَةِ السِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السِّيَادَةُ عِبَادَةٌ.

- أَمَّا نَحْنُ فَيَجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمُهُ وَتَوْقِيرُهُ، وَلِهَذَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُنَادِيهِ بِاسْمِهِ فَقَالَ: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)، وَهَذِهِ الكَلِمَةُ، أَعْنِي (عَلَى سَيِّدِنَا) يَتَنَازَعُهَا كُلُّ مَنْ صَلَّى وَسَلَّمَ، وَالضَّمِيرُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَا قَبْلَهُ يَعُودُ عَلَى جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، كَيْفَ لَا وَلِأَجْلِهِ وُجِدَ الوُجُودُ.

3- (محمد)

- تستحضر أنه محمود في السماء والأرض. قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا: لِمَ سَمَّيْتَ ابْنَكَ مُحَمَّداً؟ (أَيْ ابْنَ ابْنِكَ) وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِكَ وَلَا قَوْمِكَ. قَالَ رَجَوْتُ أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.

- هو اسم على مسمى. قَالَ تَعَالَى(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ). وَهُوَ عَلَى وَزْنِ مُفَعَّلٍ مُبَالَغَةَ مَعْنَى مَحْمُودٍ، لِتِكْرَارِ الحَمْدِ لَهُ، المَرَّةَ بَعْدَ المَرَّةِ وَهُوَ اسْمٌ مُطَابِقٌ لِذَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَاتُهُ مَحْمُودَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ العَوَالِمِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ،

- استحضر أَنَّ هَذَا الإِسْمَ الشَّرِيفَ مُشْتَقٌّ مِنْ اسْمِ اللَّهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَتَدْرِي مَنْ أَنَا، أَنَا الَّذِي اشْتَقَّ اللَّهُ اسْمِي مِنْ اسْمِهِ، فَاللَّهُ مَحْمُودٌ وَأَنَا مُحَمَّدٌ وَلَا فَخْرَ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ:

وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ * فَذُوالعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ

- وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الإِسْمَ الشَّرِيفَ خُلِقَ عَلَى صُورَتِهِ بَنُو آدَمَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ هُوَ المَقْصُودُ مِنَ النَّوْعِ الإِنْسَانِي كَمَا فِي حَدِيثِ سَيِّدِنَا عُمَرَ الَّذِي صَحَّحَهُ الحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لِآدَمَ: لَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ (أنظر المستدرك، للحاكم [كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين] باب ومن كتاب آيات رسول الله التي هي دلائل النبوة، رقم الحديث 4194)، وَفِي آخَرَ: لَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُكَ وَلَا خَلَقْتُ سَمَاءً وَلَا أَرْضاً. فَالمِيمُ الأُولَى بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ، وَالحَاءُ بِمَنْزِلَةِ اليَدَيْنِ، وَالمِيمُ الثَّانِيَةُ بِمَثَابَةِ الصَّدْرِ، وَالدَّالُ بِمَنْزِلَةِ الرِّجْلَيْنِ.






وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ أَنَا، أَنَا الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ عَلَى حُرُوفِ هِجَاءِ اسْمِي، فَالرَّأْسُ وَالوَجْهُ بِمَنْزِلَةِ المِيمِ، وَاليَدَانِ إِذَا مَدَدْتَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الحَاءِ، وَالبَطْنُ بِمَنْزِلَةِ المِيمِ الأُخْرَى، وَالدَّالُ بِمَنْزِلَةِ الرِّجْلَيْنِ، فَهُوَ مُحَمَّدٌ وَلَا فَخْرَ.

قَالَ العَارِفُ بِاللَّهِ أَبُو المَوَاهِبِ التُّونُسِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا). إِنْ قُلْتَ السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ هَذَا السُّجُودُ. قُلْنَا: هَذَا السُّجُودُ مَعْنَاهُ خُضُوعُ تَوَاضُعِ الأَصْغَرِ لِلْأَكْبَرِ، لَا أَنَّهُ سُجُودُ المَرْبُوبِ لِلرَّبِّ، لِأَنَّ آدَمَ عَبْدٌ لَا رَبٌّ، لَكِنَّهُ أَكْرَمُ فِي صُورَتِهِ الآدَمِيَّةِ بِظُهُورِ السِّمَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، فَهَذَا الَّذِي أَوْجَبَ السُّجُودَ فِي هَذَا المِحْرَابِ، يَا أُولِي الأَذْوَاقِ وَالأَلْبَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَأْسَ آدَمَ مِيمٌ، وَيَدَاهُ حَاءٌ، وَبَطْنُهُ مِيمٌ، وَسَاقَاهُ دَالٌ، وَكَذَا كَانَ يُكْتَبُ فِي الخَطِّ القَدِيمِ مُحَمَّدٌ.

فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا أَظْهَرْتَ اليَدَ الأُخْرَى حَتَّى يُقْرَأَ يَمِيناً وَشِمَالاً، قُلْنَا: إِذَا كُتِبَ هَكَذَا كَانَ أَعْظَمَ فِي المَدْحِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَنْظُرُ مِنْ أَمَامِهِ، فَيَصِيرُ يَسَارُ الخَلْفِ يَمِيناً لِذَلِكَ الوَجْهِ المُخْتَصِّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ العَارِفِينَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ يَسَارٌ، بَلْ يُقَالُ اليَمِينُ الأَوَّلُ وَاليَمِينُ الثَّانِي، أَوْ يَمِينُ وَجْهِهِ وَيَمِينُ خَلْفِهِ، وَهَذَا أَدَبُ أَهْلِ الحَقِيقَةِ،

4- أن تستحضر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول مخلوق. عن سَيِّدِنَا جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَخْبِرْنِي عَنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ الأَشْيَاءِ. قَالَ يَا جَابِرُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ قَبْلَ الأَشْيَاءِ نُورَ نَبِيِّكَ مِنْ نُورِهِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ النُّورُ يَدُورُ بِالقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ لَوْحٌ وَلَا قَلَمٌ وَلَا جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ، وَلَا مَلَكٌ وَلَا سَمَاءٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ وَلَا جِنِّيٌّ وَلَا إِنْسِيٌّ.

فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ قَسَّمَ ذَلِكَ النُّورَ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، فَخَلَقَ مِنَ الجُزْءِ الأَوَّلِ القَلَمَ، وَمِنَ الجُزْءِ الثَّانِي اللَّوْحَ، وَمِنَ الجُزْءِ الثَّالِثِ العَرْشَ، ثُمَّ قَسَّمَ الجُزْءَ الرَّابِعَ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، فَخَلَقَ مِنَ الأَوَّلِ حَمَلَةَ العَرْشِ، وَمِنَ الثَّانِي الكُرْسِيَّ، وَمِنَ الثَّالِثِ بَاقِي المَلَائِكَةِ، ثُمَّ قَسَّمَ الجُزْءَ الرَّابِعَ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، فَخَلَقَ مِنَ الأَوَّلِ نُورَ أَبْصَارِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنَ الثَّانِي نُورَ قُلُوبِهِمْ، وَهِيَ المَعْرِفَةُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنَ الثَّالِثِ نُورَ أُنْسِهِمْ وَهُوَ التَّوْحِيدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِي وَمِنْ نُورِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا يَعْسُوبُ الأَرْوَاحِ، يَعْنِي أَصْلَهَا وَرَئِيسَهَا الكَبِيرَ، وَمِنْهُ يَعْسُوبُ النَّحْلِ لِأَمِيرِهَا. إهـ.. وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِنَا عُمَرَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ أَنَا؟ أَنَا الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ نُورِي فَسَجَدَ لِلَّهِ، فَبَقِيَ فِي سُجُودِهِ سَبْعَمِائَةِ عَامٍ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ سَجَدَ لِلَّهِ نُورِي وَلَا فَخْرَ. يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ أَنَا، أَنَا الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ العَرْشَ مِنْ نُورِي، وَالكُرْسِيَّ مِنْ نُورِي، وَاللَّوْحَ وَالقَلَمَ مِنْ نُورِي، وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ مِنْ نُورِي، وَنُورَ الأَبْصارِ مِنْ نُورِي، وَالعَقْلَ الَّذِي فِي رُؤُوسِ الخَلْقِ مِنْ نُورِي، وَنُورَ المَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِنْ نُورِي وَلَا فَخْرَ.

5- قَالَ بَعْضُ العَارِفِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بِذَاتِهِ عَلَى ذَاتِهِ فِي ذَاتِهِ لِذَاتِهِ، ظَهَرَ نُورٌ مُشَكَّلٌ بِحُرُوفٍ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا:



قُلْتُ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:

أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوءَةِ خَاتَمٌ * مِنَ اللَّهِ مِنْ نُورٍ يَلُوحُ وَيُشْهَدُ

وَيُشِيرُ إِلَيْهِ مَا فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ فِي أَحْكَامِ الحَافِظِ أَبِي الحَسَنِ بْنِ القَطَّانِ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ نُوراً، أَيْ مُصَوَّراً عَلَى شَكْلٍ خَاصٍّ مِنْ نُورٍ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي، أَيْ فِي غَايَةِ القُرْبِ المَعْنَوِيِّ مِنْهُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ. وَهَذِهِ الدَّائِرَةُ هِيَ المَرْسُومَةُ عِنْدَ القَوْمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِدَائِرَةِ الأَنْوَارِ، وَإِحَاطَةِ المَعَارِفِ وَالأَسْرَارِ، الَّتِي تَعْجِزُ عَنْ إِدْرَاكِهَا العُقُولُ، وَلَا يَسَعُ الأَذْوَاقَ الرَّاجِحَةَ فِيهَا أَنْ تَجُولَ. كَمَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ البِسْطَامِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: غُصْتُ لُجَّةَ المَعَارِفِ طَلَباً لِلْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا بَيْنِي وَبَيْنَهَا أَلْفُ حِجَابٍ، لَوْ دَنَوْتُ مِنَ الحِجَابِ الأَوَّلِ لَاحْتَرَقْتُ كَمَا تُحْرَقُ الشَّعْرَةُ فِي لَهَبِ النَّارِ. وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَعْرِفُنِي حَقِيقَةً غَيْرُ رَبِّي.

6- قَالَ الإِمَامُ الخَرُّوبِي الطَّرَابُلْسِي: حَقِيقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرٌّ لَطِيفٌ مِنْ أَسْرَارِ الحَقِّ تَعَالَى، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ سِوَى الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَلَا يَكْشِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ تَعَالَى، لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، إِذْ حَقِيقَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمَدِيَّةٌ مِنَ السِّرِّ المَكْنُونِ، وَالأَمْرِ المَصُونِ، الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا أَدْرَكَ مِنْهُ المُؤْمِنُونَ إِلَّا ظَاهِرَ صُورَتِهِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ أُوَيْسٌ القَرْنِي بِالظِّلِّ.

7- استحضار أن هذا الاسم فيه بركة كبيرة. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ مُحَمَّدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ. وَرَوَى صَاحِبُ الفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّداً تَبَرُّكاً كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الجَنَّةِ.

وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا مِنْ مَائِدَةٍ وُضِعَتْ فَحَضَرَ عَلَيْهَا مَنْ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدُ إِلَّا قَدَّسَ اللَّهُ ذَلِكَ المَنْزِلَ مَرَّتَيْنِ.

وَعَنْ شُرَيْحٍ بْنِ يُونُسَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ عِيَّادَةً كُلَّ دَارٍ فِيهَا أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ إِكْرَاماً لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعْتُمْ مُحَمَّداً فَأَكْرِمُوهُ وَأَوْسِعُوا لَهُ فِي المَجْلِسِ وَلَا تُقَبِّحُوا لَهُ وَجْهاً. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَشُورَةٍ مَعَهُمْ رَجُلٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يُدْخِلُوهُ فِي مَشُورَتِهِمْ إِلَّا لَمْ يُبَارَكْ لَهُمْ. وَفِي كِتَابِ البَرَكَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدُ كَثُرَ خَيْرُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ لِكَرَامَةِ اسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: يُنَادَى يَوْمَ القِيَامَةِ يَا مُحَمَّدُ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي المَوْقِفِ كُلُّ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ لِكُلِّ مَنْ اسْمُهُ عَلَى اسْمِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّي.

وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُوقَفُ عَبْدَانِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْمُرُ بِهِمَا إِلَى الجَنَّةِ، فَيَقُولَانِ رَبَّنَا بِمَ اسْتَاهَلْنَا الجَنَّةَ وَلَمْ نَعْمَلْ عَمَلاً يُجَازِينَا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدَايَ ادْخُلَا الجَنَّةَ فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدُ.

8- تنوي امْتِثَال قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالصَّلَاةَ البَتْرَاءَ. قِيلَ وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ دُونَ آلِي.

- تَنْوِيهَا حُبّاً في آله صلى الله عليه وسلم. لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ مِمَّا تَدُلُّ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ المُوجِبَةِ لِلمَوْتِ عَلَى الدِّينِ القَوِيمِ، وَالفَوْزِ بِالثَّوَابِ الجَزِيلِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ. رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، وَمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ.

وَفِي الكَشَّافِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَغْفُوراً لَهُ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ تَائِباً، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِناً مُسْتَكْمِلَ الإِيمَانِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلَكُ المَوْتِ بِالجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكِرٌ وَنَكِيرٌ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ يُزَفُّ إِلَى الجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ العَرُوسُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابَانِ إِلَى الجَنَّةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ اللَّهُ قَبْرَهُ مَزَارَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَكْتُوباً بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِراً، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.

9- تصلي عليه صلى الله عليه وسلم محبة فيه. إذ أنها مِمَّا تَدُلُّ عَلَى مَحَبَّتِهِ. وَمَحَبَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوجِبُ الكَوْنَ مَعَهُ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ. فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا اخْتَلَطَ حُبِّي بِقَلْبِ أَحَدٍ فَأَحَبَّنِي إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ.

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِي وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.

وَبِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِحُّ الإِيمَانُ وَيَكْمُلُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُومِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَكُونُ مُؤْمِناً حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ. فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكَ الكِتَابَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآنَ يَا عُمَرُ تَمَّ إِيمَانُكَ.

10- تنوي التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِ الرَّبِّ، وَلَا أَعْظَمَ مِنَ التَّخَلُّقِ بِوَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ الجَمِيلَةِ. قَالَ بَعْضُ العَارِفِينَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما) ، إِذَا كَانَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ يُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ فَتَخَلَّقُوا أَنْتُمْ بِذَلِكَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ طَلَبِ الحَاصِلِ وَإِيجَادِ المَوْجُودِ؟

أُجِيبَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: الأَوَّلُ: هُوَ مَضْمُونُ هَذِهِ الثَّمَرَةِ. الثَّانِي: إِنَّ صَلَاتَنَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَادَةٌ لَنَا، وَزِيَادَةُ حَسَنَاتٍ فِي أَعْمَالِنَا، وَتُرْبِي البَرَكَاتِ المَبْتُوتَةَ فِينَا المُنَزَّلَةَ عَلَيْنَا. الثَّالِثُ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَأَعَزُّ الخَلْقِ عِنْدَهُ بِالإِتِّفَاقِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَذْكُرُهُ بِأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَأَنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ هُوَ الذَّاكِرُ. وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ مَا يَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ نُصُوعِ العَقِيدَةِ، وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَإِظْهَارِ المَحَبَّةِ وَالمُدَاوَمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالاحْتِرَامِ لِلْوَاسِطَةِ الكَرِيمَةِ الَّذِي أَنْقَذَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَنِلْنَا بِهِ كُلَّ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ.

وَمِنْهَا مَا وَعَدَ اللَّهُ فِي فَضْلِهَا مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ. فَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ. وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَشَّرَنِي وَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْراً. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَشْراً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا مِائَةً، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَأَسْكَنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعْتُمْ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، إلخ.. قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ العَرَبِي قُدِّسَ سِرُّهُ: إِنْ قُلْتَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الحَدِيثِ وَنَحْوِهِ؟ قُلْنَا: فِيهِ أَعْظَمُ فَائِدَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ القُرْآنَ اقْتَضَى أَنَّ مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ تُضَاعَفُ عَشْراً. وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَةٌ، فَيَقْتَضِي القُرْآنُ أَنْ يُعْطَى عَشْرُ دَرَجَاتٍ فِي الجَنَّةِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَى رَسُولِهِ عَشْراً، وَذِكْرُ اللَّهِ العَبْدَ أَعْظَمُ مِنَ الجَنَّةِ مُضَاعَفَةً.

وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ جَزَاءَ ذِكْرِهِ إِلَّا ذِكْرَهُ. كَذَلِكَ جَعَلَ جَزَاءَ نَبِيِّهِ ذِكْرَهُ لِمَنْ ذَكَرَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّكَّاكُ رَحِمَهُ اللَّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، فَمَا الظَّنُّ بِعَشْرِ دَرَجَاتٍ، كَمْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا مِنَ البَلَايَا وَالمِحَنِ، وَيَسْتَجْلِبُ بِبَرَكَتِهَا مِنْ لَطَائِفِ المِنَنِ. إهـ.. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: مَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ صَلَاةً وَاحِدَةً كَفَاهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَكَيْفَ بِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ عَشْراً.

هَذَا إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بِصَلَاتِهِ عَشْراً فَكَيْفَ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ بِهَا سَبْعِينَ صَلَاةً، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ بِهَا سَبْعِينَ صَلَاةً، فَلْيُقَلِّلْ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ. بَلْ صَلَاةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْصَرُ بِعَدَدٍ كَمَا قَالَ العَارِفُ بِاللَّهِ سَيِّدِي عَلِيٌّ الخَوَاصُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَلَاةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لَا يَدْخُلُهَا العَدُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَلَاتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا انْتِهَاءٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا العَدَدُ مِنْ حَيْثُ مَرْتَبَةُ العَبْدِ المُصَلِّي لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ مَحْصُورٌ بِالزَّمَانِ.

فَتَنَزَّلَ الحَقُّ تَعَالَى لِلْعَبْدِ بِحَسَبِ شَاكِلَةِ العَبْدِ. وَاعْتَبَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يُصَلِّي عَلَى عَبْدِهِ بِكُلِّ مَرَّةٍ عَشْراً فَافْهَمْ. وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فِي خُطْبَتِهِ: حُجُّوا حَجَّةَ الفَرْضِ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ عِشْرِينَ غَزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّ غَزَاةً بَعْدَهَا أَعْظَمُ مِنْ عِشْرِينَ حَجَّةً. وَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَعْدِلُ ثَوَابُهَا الحَجَّ وَالجِهَادَ. وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَجَّ حَجَّةَ الإِسْلَامِ وَغَزَا بَعْدَهَا غَزَاةً كُتِبَتْ غَزَاتُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ حَجَّةٍ. قَالَ: فَانْكَسَرَتْ قُلُوبُ قَوْمٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الجِهَادِ وَلَا الحَجِّ، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: مَا صَلَّى عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا كُتِبَتْ صَلَاتُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ غَزَاةٍ، كُلُّ غَزَاةٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ حَجَّةٍ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ العِبَادَاتِ فَانْظُرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ الآيَةُ، فَفِي سَائِرِ العِبَادَاتِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِهَا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوَّلًا، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْعِبَادَات.

(مقتطف من كتاب الكوكب الوهاج، للعلامة سيدي أحمد بن الحاج العياشي سكيرج)


0 تعليقات

اتصل بنا


العلامة العارف بالله القاضي سيدي

أحمد بن ج.العياشي سكيرج الأنصاري الخزرجي

أحد أعلام الطريقة التجانية

الرباط المغرب
00212642414272
contact@cheikhskiredj.com